الخميس، 29 نوفمبر 2018

آلية التأثير والتأثر...


بين رفض المحاكاة من الطبيعة عند "أفلاطون"، وقبولها كخطوة أولية في طريق الإبداع عند "أرسطو"، تقبع آلية "التأثير والتأثر". ((إن آلية التأثّر والتأثير هي حالة مستأنفة لا مستحدثة في مكمن صيرورتها، فنسيجها متجدد، حيث هناك مبدعون، وهناك إبداع، ومعطيات علوم قائمة ما بين نظرية وتطبيق، وحيثيات ذاك التأثر، وهذا التأثير الذي متّسعه قصي المكان، وقريبه، وفي مختلف الثقافات، ولدى كل الحضارات.))([1]) فعبر تطور الفنون نتاج تطور المجتمعات علميًّا وفكريًّا وثقافيًّا وتكنولوجيًّا، صار الإتيان بالجديد واستحداث الأفكار أمر شاق، (( فعملية الخلق مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالابتكار، وتوليد الأفكار النادرة والموضوعات التي لم يتطرق لها السابقون، وهذا من الأمور الشاقة الآن، كون أن جميع المجتمعات قد تطورت بتواز مع ثورة الحداثة التكنولوجية الهائلة ووسائط الميديا الحديثة، التي فرضت شروطها على مجمل الفعاليات الذهنية والفكرية، وأولها مجال التقنيات المستحدثة، والرؤى والمشاريع والوسائط التي يشتغل عليها فناني اليوم.
فلم تعد اللوحة -رغم أنها العنصر الأساسي في الرسم- وحدها كافية بتقييم العملية الفنية، ولم تعد تؤجج الجدل النظري كما كان يجري قبل وبعد "الحرب العالمية الثانية"، حيث تعددت وسائط التعبير والخلق الفني، وأخذت مدى واسعًا في العروض والمهرجانات الفنية التي تقام في العواصم الغربية وغيرها، بداية من الأعمال ("البنائية"، و"المفاهيمية"، و"فنون التجهيز في الفراغ"، والأداء الجسدي (Performance art )، و"الفيديو آرت"، و"الصورة الرقمية المتداخلة" بالتشكيل واللون والضوء)؛ أي: بمعنى أشمل (الوسائط المتعددة للابتكار).)) ([2]) فما يحدث هو إعادة إنتاج للأفكار، ويظل الفيصل الوحيد في ثبوت إبداع الفنان هو ما تحمله أعماله من مفرداته الخاصة الناتجة عن أيدولوجيته وثقافته، وطريقة التعبير عنها، والتوثيق لها، وهذا ما نشأت عليه المدارس والاتجاهات الفنية الحديثة ثم المعاصرة في أوروبا.
صار الجمع بين الفنون في عمل واحد سمة بارزة في الفن المعاصر، حيث استفاد الفنانون المعاصرون من التراث التشكيلي القديم، وقدموا رؤية مغايرة تعبر عن القضايا المعاصرة، وذلك عن طريق دمج الفنون مع بعضها، والعودة إلى الأصول التي يدخل فيها المكان (أو العمارة)؛ لينظم عملًا مركبًا ذا دلالة فنية وموضوعية، يقع تحت بند (التجهيز في الفراغ).
..................................
مقطع من الفصل الثالث برسالة الماجستير للباحثة/ سهام محمد،
بعنوان: "الميتافيزيقا في أعمال الطبيعة الصامتة عند جورجيو موراندي وتأثيرها على بعض مصوري أوروبا ومصر".
القاهرة_2018م



([2]) كريم النجار_ التأثر والتأثير في فن الرسم الحديث_ مقال نقدي من موقع مجلة "أدب فن" الإلكتروني_ 10 يناير 2015م.

__________________


____________

تم النشر على موقع (كَ تَ بَ) الإلكتروني بتاريخ 28 يونيو 2018م

http://kataba.online/%D8%A2%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D8%AB%D9%8A%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D8%AB%D8%B1-%D8%B3%D9%87%D8%A7%D9%85-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق