الأحد، 15 يوليو 2018

التأثيرات الميتافيزيقية في أعمال الطبيعة الصامتة عند بعض مصوري مصر

المقدمة.
((بدأت مصر تستقبل ألوانا من الفنون غريبة عن منطقها التشكيلي منذ أتاها بعض الفنانين مع (حملة نابليون بونابرت الأول) (1778م:1849م)، واستقروا ببيت "السناري"، وبعد جلاء القوات الفرنسية بقى بعض المصورين الفرنسيين في "مصر"؛ لشغفهم بتصوير الأحياء القديمة والأسواق والمناظر الطبيعية على ضفاف النيل.
وأعقب ذلك عصر "محمد على باشا" (1769م:1849م) الذي اهتم بإقامة القصور واقتناء اللوحات والتماثيل، ولكن المصريين كانوا ينظرون إلى ذلك الفن المستجاب كجزء لا يتجزأ من الطبقة الحاكمة، ولذلك كان طبيعيًّا ألا يلقى اهتمامهم، وظل إعجابهم متجهًا إلى لوحات الخط العربي وزخارفها.))(1)
((وخلال الفترة من إنشاء مدرسة الفنون الجميلة وحتى نهاية القرن العشرين الميلادي، استطاعت بعض الجماعات الفنية المصرية أن تعبر من خلال الوسائط الفنية المتعددة، وخاصة الرسم كوسيط متكامل، عن موضوعات متنوعة تبدو فيها جذور الماضي واضحة في معظم أعمالهم الفنية، وخصوصا موضوعات الحياة الشعبية المصرية ذات الأبعاد الميتافيزيقية.))(2)
((نشأت فكرة «الحداثة» في حركة ‹الفن المصري الحديث› مع بداية القرن العشرين، مرتبطة بتقدير قيمة الجوانب الانفعالية والمفاهيمية في العمل الفني. واهتم الفنانون في ذلك الوقت بقضايا الشكل واللون. وتأرجحت التيارات الفنية التي انتشرت في تلك الآونة، بين «الرمزية» و«السيريالية» و«التعبيرية» و«التجريدية».
وقد اتخذ الفنانون الذين تبنوا مبدأ التحديث موقفًا متعارضا مع التقاليد الأكاديمية، ومع التعاليم المدرسية، التي تروج للنزعة [الانطباعية - الاستشراقية]، التي كان يتبعها الفنانون الكلاسيكيون الأجانب في مصر، دون مراعاة لمسألة التعبير عن ذاتية الفنان المصري.))(3)
ونشأت بعض الجماعات الفنية التي درس أغلب فنانيها الفنون في أوروبا، مثل جماعتي: الفن والحرية (1939م:1945م)، والفن المعاصر (1946م:1954م)، فكانتا حلقتا وصل بين الفنون الأوروبية والفنون المصرية القريبة من الفن الشعبي وفنون المستشرقين، ناقلة تطورات الفن الحديث ومدارسه الفنية من أوروبا، فجماعة "الفن والحرية" خرجت عن التصوير المحافظ الكلاسيكي، باحثة عن الفن الحر الذي يعمل على ((إثارة التعجب في أذهان الجماهير))(4)، ومحاولة إيجاد حلقة وصل بين شباب الفنانين في مصر، وما أنتجه الفن الحديث في نيويورك ولندن، ((لقد أحدثت "جماعة الفن والحرية" هزة في الحركة التشكيلية؛ ولكن الأساليب الفنية التي استجلبتها من الخارج كانت قد فقدت جدتها وغرابتها، وواضح مدى انفصالها عن التراث الثقافي المحلي وعن روح المكان. وبهذا انعزلت تدريجيًّا إلى أن انتهت تماما، ولكنها كانت خلال عمرها القصير قد مهدت السبيل لفنانين آخرين؛ لكي يخطوا بهذه الأشكال الفنية الجديدة خطوة أكثر تقدما تجاه الواقع المصري. ومحاولة تأصيل هذه الاتجاهات الغربية بربطها بالتراث المصري وخصوصا التراث الشعبي.))(5)
أما جماعة "الفن المعاصر" فهي ((أجدد الجماعات الفنية التي تشكلت، أخذوا من جماعة "الفن والحرية" تمردها على الأكاديمية، وميلها إلى المدارس الحديثة في الغرب خاصة الميتافيزيقية والسيريالية، ولكن منطلقهم إليها كان (الموضوع الشعبي)، حيث استجابوا إلى ما وراء الظواهر الخارجية في الحياة اليومية وأنماط السلوك، وأن يرجعوها إلى مخزون العقل الباطن الجمعي، وليس كما فعل فنانو الفن والحرية، لذا اقتربوا من عالم المعتقدات والأساطير الشعبية والرؤى الغيبية المتأصلة فيها. لذا يمكن القول: إن فناني جماعة "الفن المعاصر" بدأوا من حيث انتهى فنانو جماعة "الفن والحرية" لا من حيث بدأوا.))(6)
((حرص الفنان "حسين يوسف أمين" على تحرير فناني الجماعة تدريجيًّا من سلطان السيريالية الأوروبية والاستغراق في التأملات الميتافيزيقية؛ ليلتفتوا إلى اكتشاف ملامح التراث المحلي، واستبدال مصادر اللاوعي التي أرساها كل من الطبيب "فرويد" وعالم النفس "يونج"، بعالم الأساطير والخرافات الشعبية المصرية، ورموزها السرية ذات الدلالات التراثية والحياتية الممتدة، التي عانت من عسف العيش والكساد الذي تعرضت له البلاد بعد الحرب العالمية الثانية، فجاءت أعمال هؤلاء الفنانين بمثابة كشف عن تلك الطبقة المطحونة وواقعها المزري، بخشونته وجفائه وصياغة تعبر عن ظلمة الخرافة والشعوذة.))(7)
فالميتافيزيقا في الشرق.. هي الحالة الروحية والصوفية التي تعبر عنها الثقافة الشرقية، حيث الإيمان بالغيبيات، أما كمدرسة ميتافيزيقية فنية فلم تكن بقدر الوضوح الذي كان في الغرب، حيث اختلف تناول "الميتافيزيقا" في "الرسم المصري" عن "التصوير المصري"، في التعبير وصياغة الموضوع، فكان الرسم الميتافيزيقي يتبع الأساطير الشعبية المصرية، وأساطير الجن وعلاقة الروح والسحر بالأشياء والإنسان، أما الميتافيزيقا عند المصورين المصريين تتبع في إخراجها سمات المدرسة الميتافيزيقية الأوروبية، في طريقة تناول المواضيع والتعبير عنها، لكن بَعُد المصريون عن عنصر الدمية، فكانت ميتافيزيقيتهم تنبع من روح الغموض في العناصر، والفراغ الأيزوميتري، وثبات الكتل وثِقلها، وتجميد اللحظة، فهو أقرب للواقعية السحرية في الفن، فنجد أنفسنا تشاهد العناصر من الخارج في عالمها الخاص دون الدخول في هذا العالم، فالاتجاه الميتافيزيقي في التصوير عند الفنانين المصريين، وتصوير الطبيعة الصامتة كموضوع فني مستقل ليس بالوضوح أو الانتشار الكامل كما عند فناني الغرب، فمعظم الفنانين مروا بها في إحدى مراحلهم الفنية، على عكس الفنانين الأوروبيين الذين اتخذوها مشروعهم الفني، ولكن يبقى لكل بصمته وإنتاجه.
....................
(1) عماد شفيق رزق_ دور الخيال في المنظر السيريالي_ رسالة دكتوراة غير منشورة،_كلية الفنون الجميلة_ جامعة حلوان_ القاهرة_ 2000م_ ص167.
(2) وليد فوزي عبده مطر_ فن الرسم في العصر الحديث_ رسالة ماجستير غير منشورة_كلية الفنون الجميلة_ جامعة الإسكندرية_ الإسكندرية_ 2006_ ص291.
(3) الفن المصري الحديث_ دراسة في ويكيبديا الموسوعة الحرة .
(4) عماد فؤاد، رمسيس يونان _آدم حنين في معرضين استرجاعيين: الحرية التي كانت للفنانين السابقين هل انحسرت موجتها؟_ مجلة الحياة، العدد ( 12966)، 1998م. ص16.
(5) محمد سالم_ مدخل إلى الفن التشكيلي المصري المعاصر_ رسالة ماجستير غير منشورة_ كلية الفنون الجميلة_ جامعة حلوان_ القاهرة_ 1975م_ ص (113،114).
(6) شريف محمد حسني شكري_ ماهر رائف: الرؤية الفنية والخلفية الفكرية في أعماله_ رسالة ماجستير غير منشورة_ كلية الفنون الجميلة_جامعة حلوان_ القاهرة_ 2006م_ ص 41.
(7) د. مصطفى الرزاز_ الفن المصري الحديث: القرن العشرين _قطاع الفنون التشكيلية، القاهرة_ 2007م_ ص11.
________________
مقطع من الفصل الرابع لرسالة الماجستير للباحثة / سهام محمد.
بعنوان: "الميتافيزيقا في أعمال الطبيعة الصامتة عند جورجيو موراندي وتأثيرها على بعض مصوري أوروبا ومصر".
#سهام_محمد
القاهرة_2018م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق